mardi 26 février 2008

باريس أيضاً حبل الكلام



قصيدتان نشرتا (على سبيل الهدية؟) في ملحق النهار،

في الرابع والعشرين من شباط 2008، وهنا الصيغة الصحيحة والكاملة.


باريس أو الجزع

لا أحد يدري أين الخطى
تقودنا،
أو المُفْتَتَح،
أو كيف يهدينا الجزعُ
الذي يمازج، كالغبار الأسود، قمصاننا

…………………………………..

مرّ زمن بعيد منذ أتيت هذه المدينة
مرّ زمن بعيد منذ أنجزت ملاحمها
ورتّبت هيئتها لتتفرغ
للحلم والسخط
للتذمر والهوى

ـ 1 ـ

في القصر الملكي
ليست أعمدة "بورين" سوى ملل الأطفال
وحده العنبر شاهق كذكرى مليونية
ينبت بين محال الدمى الموسيقية
وأزياء باد ارتداؤها

ـ 2 ـ

يبست جياد النصر وتحجّر
قلبها الظامئ
لا تبنجس البورصة المتلاعبة نوافير
ولا تتلألأ رقةٌ هاهنا
سوى الحرير يابانياً على الراحة

ـ 3 ـ

لا يكفيك باب ولا حائط
ولا اجتياز شارع
لقطع الحد ما بين الفنون والصنائع
فتقيم في اللعب
على رباط عالم ثالث

ـ 4 ـ

ثمة مدن تُفْرَغ، من قلبها،
وأخرى تُفْعَم، إلى الشغاف،
لكن الدائرة تفاقم انكماشها، كشط راكد،
حتى صارت نقطة على أعلى كنفٍ
في صالة المكتبة الحميمة

ـ 5 ـ

فراراً من القيظ إلى العتمة
من الوحدة إلى الوحدة
ترميك السينما بشمسها وكثبانها ونجلاواتها
لكن شيئاً لا يُسْري في صلبك ماء الرهبة الجليدي
غير مسيح من خشبٍ متشقق

ـ 6 ـ

تتجاور باقات من الأسماء الشهيرة
تحتل كراسي المقهى وأحرف الحيطان
لكن ذلك ينسرب من الذاكرة بخفةٍ
وراء البولفار شمس متخيلة
مقيمة السطوع

ـ 7 ـ

تمنح المدينة نفسها فجوات
فراغات من الصخب
كي لا تثير سوى الملل في نفوس العابرين.
هناك الأهل الأصليون
في البرد يلقون حيواتهم

ـ 8 ـ

خانقة تلك الأبهة
التي تتمرّى فيها الكونكورد والشانزيليزيه
لكن التجاعيد تخفي طيّها
صالات سينما وعجائز مطلية
وتعباً من القلب المفتوح

ـ 9 ـ

لا تزال معابرك، يا فالتر،
تتزّين كألف حرباء بأحطّ السلع
رائحة غبار قديم تهبّ من الأوبرا
لتبلغ انوف بنات الهوى الملوّنات
لا أزال أحلم بمعبر يجلله البياض الخالص

ـ 10 ـ

في آخر التيه يحدوك الأمل
او الذكرى المحلومة مقلوبةً
الجسد صنيع آخرين، والنبيذ،
ما تراك صانع
غير الصدى الطويل كطنين الهنود؟

ـ 11 ـ

كرسيّ المدينة، ذاك، عليه استوت
فوضعت في صلبه زرقةَ البيت الأول
ونصبَ سوادِ الزمن لا يشوبه سوى
عناد شاهدة، مثلث اللغة:
كازابلانكا ـ القدس ـ باريس (1925 ـ 1991)

ـ 12 ـ

ثمة في السواد ما يفيض عن حدوده
لا تقوَ على الحزن سدود ولا على الخضرة
يظل للنزق عطر خاص
هو عينه في وجه
أو في تظاهرة

ـ 13 ـ

ببطء وعناد وتصخاب
تستقبل المدينة موجات تلو موجات
من المباني والأعراق والألوان
أين خطوط طاقتها على بسط الفراغ؟
في أي نقطة تغدو الخيانة تعريفها؟

ـ 14 ـ

فيها ايضاً حدائق وقرى مزهرة
وكتل من أزمنة مسمّرة كالعرائش
على الأحجار الفخورة
لا وقع لحذاءيك المطاطيين على البلاط المرصوف
هذا كافْ ليعيذك من الغواية

ـ 15 ـ

ما ترى فائدة ذكرى محددة؟
موسيقى النحاس في حديقة مثلاً
أو تانغو العجائز أمام البلدية؟
أم هي محض ذريعة كي تستعيد
دنو ماء بشرتها الأنوف؟

ـ 16 ـ

تعلم أن لا قرار للرغبة
في ضيق الشوارع،
مهما حفرت، ليست تغيض!
هي أيضاً، كالاواني الخزفية،
رقيقة الزخرفة والحواشي
جوادة كعينين صريحتين أو كالكتب القديمة

ـ 17 ـ

يحدث أن تهديك الخطة
أو أن تضلّك
إلى بيت ذا الفيلسوف أو تلك البارونة
تدرك أنك تكرر درب الانحطاط
لكنك تجهل متى كانت الذروة!

ـ 18 ـ

ربما كان ذلك حين جرؤت
على ترك مساحة لقرينك
واللوذ بالقلب الأقدس!
أتنكر أنك لم تخلص النية
وأن عبوة مفخخة تركتها على السرير؟

ـ 19 ـ

هل كان ذلك حين تركتَ العشبَ
طرياً تحت الأقدام
وخمرةَ النغم
نسغاً يغمر روحيكما
وزعمت أن الطريق محجّة العاشق ورقصته الوحيدة؟

ـ 20 ـ

في أول الدرب ربما تلقى نفسك
لكنك لا ترى لك بها أربا.
هذا الهدوء يثبط تحفزك.
حينما يكون المترو بعيداً
تنطفئ العين فيما الصلع والأظافر يسيران وئيدا

…………………………………..

لا يسع القطارات أن تلتف على نفسها
ولا للقلب أن يُخْرس حروباً لا تكلّ في الأطراف
على الهواء، أو البخار، أو المشهد، على أذرع النجمات
أو سلال النفايات والزجاج
ولا يسعك أن تملك احاطة السكّير المدقع

…………………………………..

هنالك طبعاً مسارح ومطاعم
ودور عجزة ونوادٍ ومسابح
وصالات ومبانٍ ونصب وساحات
ضخمة ووديعة
لكنك منشغل باختبار العيش في طريق مسدود أبدا!

13/01/2008

حبل الكلام

ذلك الخداع، في أصل طبعنا،
ليس إلا وسيلتنا
لنسيان الموت
تلك الحروب، نرتمي في حضنها،
أداتنا
لنسيان الموت
تلك القضايا نعليها
والصروح، والأفكار نتقاذفها
لنسيان الموت
ليست الحياة دافعاً للحياة،
فقد نسينا أنّا من لحم ودم
ليس النور ما يحركنا كالحشرات
ليس خلف روابطنا المتناسلة
سوى غلالة عساها تحجب
وجه الموت
أرقّ لكل من يدب ويسير ويتوكأ
لمن لا يهاب الموت، فينتحر،
ومن يهابه فينتحر،
لمن يتعلق بآخر ذكرى هواء
أو آخر ذكرى حب
ولمن أُحبّ ومن أكره
لكنني اتعفف عن الشفقة على نفسي
فقد نسجت من الكلام حبلاً يعصمني
إذا قدم الموت
من أن أنساهم

13/01/2008

Aucun commentaire: